بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و هفت
وكذا محمد بن علي بن الحسين في ( العلل ) عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن بشر بن بشار قال: قلت للرجل - يعني: أبا الحسن ( عليه السلام ) -: ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة ؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثم قال: أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله والفاجر في معصية الله .[1]
هذا ما استدل به للقول بجواز دفع ازيد من مؤونة السنة في الزكاة.
والظاهر عدم تماميته.
اما الاطلاقات، فان اقتران المصرف فيها بذكر الوصف كما في الآية يمنع عن انعقاد الاطلاق فيها بالنسبة الى غير الفقير وغير المسكين وامثاله. فالقول بان المتمكن من مؤونة سنته باخذ مقدارها من الخمس لا يكون فقيراً فيخرج عن مورد الآية الشريفة، وكذا الروايات الواردة على وزانها انما يمنع عن التمسك بها في المقام.
ومنه يظهر النظر في الاستدلال بما ورد بلسان و «اغنه ان قدرت»، او «تعطيه من الزكاة حتى تغنيه»، او «اذا اعطيت فاغنه» حيث لا وجه لحمل الغنى فيها على الغنى العرفي، لو سلم اختلاف المفهوم فيه بين العرف والشرع، فان الغني شرعاً هو المتمكن من مؤونة سنته، او صاحب راس مال يتمكن به من تحصيل مؤونة سنته. وهذا معنى الكفاية عرفاً، وعليه يحمل ما ورد في الاخبار ما يكفيه دون ازيد من ذلك.
واما المشتمل على التعيين كموثقة اسحاق بن عمار بقوله «اعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً. قال (عليه السلام): نعم وزده، قلت: اعطيه مائة. قال: نعم واغنه ان قدرت» فليس المراد فيها الاعطاء بازيد من مؤونة السنة، بل ان امر الامام بالزيادة انما يكون الى غاية تأمينها في سنته، لان مصارف الاشخاص مختلفة بحسب عدد العائلة والشأن وامثاله.
واما صحيحة ابي بصير فان قوله (عليه السلام): «فجعل في اموال الاغنياء ما يكتفون به ولو لم يكفهم لزادهم». فهو ظاهر في لزوم كفاية الفقراء من جهة مؤونتهم من الزكاة لا اكثر من ذلك. والكفاية والغنى على ما مر تمكنهم من مؤونة السنة ولو بالاخذ او باخذهم ما يتمكنون من تحصيل مؤونة السنة منه. وقوله (عليه السلام): «فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوج»، ظاهر في هذا المعنى».
واما قوله (عليه السلام): «ويحج» فان الاتيان بالحج من الزكاة فهو منصوص بخصوصه والبحث في الجهات المرتبطة به موكول الى محله. ومن المشكل جداً استظهار دفع الزكاة الى كل فقير بمقدار صار مستطيعاً خصوصاً مع احتياج غيره الى مؤونة سنته.
واما رواية بشار بن بشير فمع غمض العين عن ارسالها، فيمكن استظهار ان ذكر المقدار انما كان بحسب احتياج الشخص في مؤونته كما مر وليس فيه اطلاق يدل على دفع الازيد، مع انه لا يبعد ظهورها في لزوم التوسعة على المؤمن في دفع مؤونة سنته دون الفاجر.
قال السيد الخوئي (قدس سره): بعد ذكر الاستدلال بالاطلاقات لجواز الدفع باكثر من مؤونة السنة:
«و فيه ما لا يخفى، لعدم انعقاد الإطلاق بعد التحديد بالكفاية في جملة من تلك الأدلّة، التي منها ما ورد من «أنّ اللّه عزّ و جلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم» كما في صحيحة ابن سنان ، أو «ما يسعهم» كما في صحيحة زرارة و ابن مسلم ، أو بتعبير آخر كما في غيرهما.
و قد تقدّم غير مرّة أنّ مقدار الكفاية ظاهر عرفاً في مئونة السنة، و مع هذه التحديدات الواردة في غير واحد من الروايات كيف يمكن دعوى الإطلاق؟ ! فالمقتضي للتوسعة قاصر في حدّ نفسه.
على أنّ ذلك منافٍ لحكمة التشريع، فإنّ الزكاة إنّما شرّعت لعلاج مشكلة الفقر و دفعه عن المجتمع كما أُشير إليه في النصوص المزبورة، و من البيّن أنّ دفع زكوات البلد التي ربّما تبلغ الأُلوف أو الملايين لفقير واحد و لو دفعة واحدة و جعله من أكبر الأثرياء مع إبقاء سائر الفقراء على حالهم لا يجامع مع تلك الحكمة، بل يضادّها و ينافيها كما لا يخفى.
بل يمكن أن يقال بانعدام موضوع الفقر لدى دفع الزائد، فلم يكن عنوان الفقير محفوظاً ليشمله الإطلاق على تقدير تسليم انعقاده.
و توضيحه: أنّ الزكاة موضوعها الفقير، فلا بدّ من فرض الفقر حال دفع الزكاة.
نعم، الموضوع هو الفقر مع قطع النظر عن الدفع، فلا مانع من زواله المستند إلى دفع الزكاة إليه كما نطقت به النصوص.
و أمّا زواله مقارناً لدفع الزكاة إليه فهو قادح، لانعدام الموضوع، و قد عرفت لزوم فرضه عند الدفع.
و من ثمّ لو أصبح الفقير غنيّاً حال الدفع لعلّة اُخرى كما لو فرضنا أنّ والده مات في نفس الآن الذي دفعت إليه الزكاة بالدقّة العقليّة فورث منه مالاً كثيراً في تلك اللحظة بعينها لم يجز له أخذ الزكاة إذا لم يكن فقيراً حال القبض.
نعم، في المرتبة السابقة كان كذلك، إلّا أنّ الاعتبار بالزمان بأن يُفرض زمان هو فقير فيه ليدفع إليه، و لم يكن كذلك، لفرض غناه في نفس الآن الذي دُفعت إليه الزكاة.
و المقام من هذا القبيل، إذ لو فرضنا أنّ مئونته السنويّة مائة دينار فدفع إليه مائتين دفعة واحدة فقد ارتفع فقره بإحدى المائتين، و معه لا مسوّغ لأخذ المائة الأُخرى، لزوال فقره مقارناً لنفس هذا الآن، فلم يكن فقيراً عند تسلّمه.
و هذا نظير الملاقاة للنجاسة حال تتميم القليل كرّاً بأن كانت الملاقاة و الإتمام في آنٍ واحد بالدقّة العقليّة، فإنّه لا يحكم حينئذٍ بالانفعال، إذ المعتبر فيه حدوث الملاقاة في زمان يتّصف فيه الماء بالقلّة، لكي يصدق أنّ النجس لاقى الماء القليل حتّى يشمله الدليل، فلا بدّ من فرض القلّة في زمان سابق على الملاقاة و هو منفي في الفرض.
و على الجملة: فالتمسّك بإطلاقات الأدلّة ممّا لا موقع له في مثل المقام بتاتاً حسبما عرفت.»
ثم ذكر بعض ما استدل به من الاخبار علي المشهور وافاد:
«و استُدلّ له ـ أي للقول المشهورـ ثانياً بجملة من الروايات، كموثّقة إسحاق ابن عمّار عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: قلت له: اُعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهماً؟ «قال: نعم، و زده» قلت: أُعطيه مائة؟ «قال: نعم و أغنه إن قدرت أن تغنيه» .
و صحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: تعطيه من الزكاة حتّى تغنيه» .
و صحيحته الأُخرى، قال: سألته كم يُعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ «قال: أعطه من الزكاة حتّى تغنيه» .
و موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنّه سئل: كم يعطى الرجل من الزكاة؟ «قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا أعطيت فأغنه» .
فإنّ جواز الإعطاء، لحدّ الإغناء الظاهر في الغنى العرفي كاشف عن عدم التحديد بمئونة السنة الواحدة. و يدفعه:
أنّ المراد بالغنى ما يقابل الفقر الذي من أجله كان مصرفاً للزكاة، فبقرينة المقابلة يراد به ما يخرجه من تلك المصرفيّة، فلا جرم يكون المقصود هو الغني الشرعي المفسّر في سائر الأدلّة بملك مئونة السنة، دون الغنى العرفي لكي يجوز الإعطاء أضعافاً مضاعفة كما لا يخفى.
فالإنصاف أنّ الروايات المعتبرة قاصرة عن إثبات مقالة المشهور، و لا عبرة بغير المعتبرة.»[2]
[1] . وسائل الشيعة(آل البيت)، ج9، الباب 17 من ابواب مستحققين للزكاة، ص249، الحديث11974/2.
[2] . السيد الخوئي، كتاب الخمس، ج24، ص 22- 25.